اللواء الراحل باقي زكي يوسف، اسم لا يخفى عن كل محب لمصرنا الحبيبة، حيث يعد صاحب فكرة تدمير خط بارليف عن طريق المضخات المائية، فلم يعيقه صغر سنه وهو يناضل بجوار كبار الضباط في حرب أكتوبر المجيد عام 1973، وأشار بعبقريته ونباهته لفكرة قهرت العدو الذي تفاخر بطغيانه وجبروته لسنوات، تدمير خط بارليف عن طريق استخدام مضخات المياه لعمل ثغرات تدك حصن إسرائيل المنيع، كان بمثابة الضربة القاضية.
باقي زكي يوسف وتدمير خط بارليف بحرب أكتوبر المجيد
وُلد “باقي” عام 1931، وتخرج في قسم الميكانيكا كلية الهندسة من جامعة عين شمس عام 1954، ثم التحق بالجيش عام 1954، وتدرج في الرتب حتى وصل لرتبة مقدم بالتزامن مع حرب أكتوبر 1973، وكان صاحب الفكرة العبقرية التي سهلت تدمير خط بارليف والعبور إلى الضفة الشرقية واقتحام دفاع الجيش الإسرائيلي وتتوج الفكرة بالنصر الساحق للقوات المسلحة المصرية.
اللواء باقي زكي يوسف
كيف حضرت الفكرة إلى عقل اللواء باقي زكي يوسف ؟
أثناء عقد اجتماع بقيادة اللواء أركان حرب سعد زغلول عبد الكريم، بعد عبور قناة السويس 6 أكتوبر 1969، وطلب من الحضور عرض أفكارهم لتدمير الساتر الترابي المنيع خط بارليف، وبالفعل بدأ الحضور بعرض أفكاره، واحد تلو الآخر، فجاءت الأفكار كالتالي: تدمير الساتر الترابي عن طريق تفجيره وقذفه بالقنابل، أو تدميره بالصواريخ المدفعية ، وعندما سأل اللواء سعد زغلول عن الفترة التي يحتاجها فتح ثغرات خط بارليف بتلك الطرق، قيل أنها تصل إلى 15 ساعة، لتحضر إلى ذهن اللواء باقي زكي يوسف فكرة المضخات المائية.
«يا فندم .. ربنا حط المشكلة وجنبها الحل.. لكي نفتح ثغرات في الساتر الترابي علينا أن نوجه مدافع مياه مضغوطة إلى جسم الساتر لتجري رماله إلى قاع القناة»، بتلك الكلمات انتفض اللواء باقي زكي يوسف من وسط الحضور، مشيراً ألى أنه في عام 1964 كان يستخدم تلك الطريقة لتجريف جبال الرمال، عن طريق دفع المياه فينهار الجبل متفتتاً إلى حبيبات رملية.
اندهاش الجميع بفكرة باقي زكي يوسف
فجأة عمَّ الصمت القاعة التي يدور بها الإجتماع، وبدأ الجميع يتساءل عن مدى جدية ومصداقية وأهمية الفكرة، وهل ستحقق الهدف المنشود وتتمكن من تحطيم خط بارليف في مدة قصيرة بحيث لا يتمكن العدو من تسديد الضربات القاضية التي تنهي حلم القوات المسلحة المصرية في العبور، ليسرع “زكي” قائلاً: «بالمناسبة .. هذه الفكرة تم تنفيذها في السد العالي بأسوان.. حيث رفعنا ربع السد العالي بالتجريف، أما الوضع هنا في القناة سيكون مختلفا، فلن نكون إلا بحاجة لمرحلة واحدة فقط، وهي استخدام طلمبات قوية، تدفع الرمال للغوص في أعماق القناة، يساعد على ذلك الميل الشديد لجوانب الساتر الترابي».
تدمير خط بارليف بالمضخات المائية
وسرعان ما أعجب قائد الجيش الثالث بالفكرة، وكلّف “زكي” بعمل تقرير شامل وكامل عن الفكرة، وما هي الخطوات التي يجب مراعاتها لتنفيذها بحنكة وخطة محكمة، وعلى الفور نفذ اللواء الراحل المطلوب وتم تقديم التقرير المفصل للرئيس الراحل جمال عبد الناصر، والذي نال إعجابه وأصدر أوامره باتباع الفكرة ودراستها لتجربتها بالفعل.
اللواء باقي زكي يوسف يصمم مدفع مائي قوي لتنفيذ الفكرة
عقب دراسة وتقنين الفكرة جيداً، ووضع الخطة المحكمة التي يسير عليها الجنود ليتمكنوا من تدمير الساتر الترابي، صمم “زكي” مدفعاً مائياً فائق القوة لضخ المياه بشدة وسرعة، للتمكن من إزالة وتحطيم خط بارليف في وقت قصير وبأقل الخسائر الممكنة، وتم تجريب الفكرة لمرات كثيرة حتى وصلت إلى 300 تجربة، حتى استطاعت الفكرة أن تنجح عقب فتح ثغرة في ساتر ترابي شبيه بخط بارليف وُجد في جزيرة البلاح بمحافظة الإسماعيلية، وفي ضوء النجاح الذي حققته تلك التجربة تم اعتماد فكرة تجريف الرمال بالمياه المضغوطة لاستخدامها في تحطيم الساتر الترابي والعبور من خط بارليف إلى الضفة الشرقية .
مصر تحطم خط بارليف باستخدام المضخات المائية
استوردت مصر طلمبات المياه من الخارج، من ألمانيا وإنجلترا زاعمةً أنها جلبتها لاستخدامها في إطفاء الحرائق، والتنمية الزراعية، إلى أن جاء اليوم المنشود ونفذت مصر الخطة، ونجحت نجاحا ساحقاً ، وفتحت أول ثغرة في الساتر الترابي بعد أربع ساعات فقط، واستكملت تحطيم خط بارليف، ووصل عدد خسائرها من الأرواح البشرية 87 فرداً وهو أقل مما توقعت مصر.
اللواء باقي زكي يوسف
منح باقي زكي يوسف نوط الجمهورية العسكري من الطبقة الأولى
وعقب عبور الجيش المصري، وتحقيق انتصار عظيم يفخر به كل من انتمى لتلك الأرض، تم تكريم الضابط المهندس باقي زكي يوسف، ومنحه الرئيس الراحل محمد أنور السادات نوط الجمهورية العسكري من الطبقة الأولى، وذلك بتاريخ فبراير عام 1974، كما كرمه الرئيس السابق محمد حسني مبارك، ومنحه وسام الجمهورية من الطبقة الثانية، عند إحالته للتقاعد عام 1984، وأخيراً رحل ابن مصر القبطي الذي دافع عن أرض وعرض تلك البلد في يوم السبت 23 يونيو، عن عمر يناهز 87 عاماً، تاركاً خلفه تاريخ مشرف، سطّر حروف اسمه من ذهب ليخلده في الذاكرة ويحفظه من النسيان.
فى ذكرى انتصارات اكتوبر “محافظ بورسعيد يضع اكاليل الزهور علي قبر الجندي المجهول